“داعش” يدفن المئات في مقابر جماعية في العراق

(بغداد) – قالت ” منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية ” اليوم إن تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”) أعدم مئات المحتجزين ودفن جثثهم في موقع قريب من الموصل.

أخبر عدة شهود عيان منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أن جثث القتلى، منهم أفراد من قوات الأمن العراقية، رميت في حفرة طبيعية في موقع يُعرف باسم الخفسة، 8 كيلومترات جنوب غرب الموصل. قال سكان محليون إن داعش زرع قبل انسحابه من المنطقة في منتصف شباط/فبراير ألغاما أرضية بدائية (توصف أحيانا بالعبوات الناسفة أو الشراك الخداعية).

وصرح مهيمن النعيمي الأمين العام لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية: “هذه المقبرة الجماعية هي رمز لإجرام داعش وسلوكه المنحط – إنها جريمة هائلة. وضع ألغام أرضية في مقبرة جماعية هو محاولة واضحة من داعش لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالعراقيين”.

قالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنه يتعين على السلطات العراقية إعطاء الأولوية لتحديد وتسييج الموقع لحماية المقبرة الجماعية والسكان المحليين حتى تُزال الألغام من الموقع. قال السكان إن المياه تمر عبر قاع الحفرة، مما يُصعّب استخراج الرفات البشرية منها. إذا كان ممكنا استخراج الجثث، يجب أن تتم العملية وفق المعايير الدولية. على السلطات تحويل الموقع إلى نصب تذكاري ودعم أسر الضحايا الذين يلتمسون العدالة لحالات الإعدام هذه.

الموقع هو واحد من عشرات مقابر داعش الجماعية التي عُثر عليها بين العراق وسوريا، ولكن يمكن أن يكون الأكبر المكتشف حتى الآن، وفقا لـ هيومن رايتس ووتش. في حين أنه ليس من الممكن تحديد عدد من أُعدموا في الموقع، تشير تقديرات السكان إلى أنه يصل إلى الآلاف، استنادا إلى عمليات الإعدام التي شاهدوها وما أخبرهم به مقاتلو داعش في المنطقة.

سيطرت القوات العراقية على الموقع منتصف فبراير/شباط 2017. زارت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية الموقع في 7 مارس/آذار، لكنها لم تتفقد الحفرة عن قرب بسبب الألغام الأرضية. قتلت عبوة ناسفة يدوية الصنع تُركت في المكان صحفيا و3 عناصر أمن عراقيين على الأقل في 25 شباط/فبراير الماضي.

قال السكان إنهم شاهدوا عمليات إعدام جماعية متعددة في الحفرة التي يبلغ قطرها 35 مترا، وأحيانا على أساس أسبوعي بدءا من يونيو/حزيران 2014 وحتى مايو/أيار أو يونيو/حزيران 2015. قالوا إنهم سمعوا مقاتلي داعش يتحدثون عن عمليات إعدام أخرى لأعضاء سابقين في الشرطة وقوات الأمن العراقية، وأعضاء في “قوات الصحوة”، القوة السنية التي قاتلت المسلحين المتطرفين من 2007 إلى 2008.

قد يكون بعض الضحايا ممن اُحتجزوا في سجن بادوش، 10 كيلومترات غرب الموصل، الذي استولى عليه داعش في 10 يونيو/حزيران 2014. في ذلك اليوم، أعدم مقاتلو داعش حوالي 830 سجين في وادٍ في الصحراء المجاورة كما أخبر 16 من الناجين منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية.

في 11 مارس/آذار 2017، أعلنت قوات الأمن العراقية عثورها على مقبرة جماعية أخرى على مسافة 2 كيلومتر تقريبا من سجن بادوش تضم بين 500 و600 رجل – رغم أنه من غير الواضح كيف تم تحديد الأرقام. في 13 مارس/آذار، تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى قائد عسكري عراقي زار الموقع قبل 4 أيام وشهد استخراج القوات العراقية الجثث هناك. في 15 مارس/آذار، أخبر لواء في الفرقة التاسعة في الجيش العراقي هيومن رايتس ووتش عن قيام خبراء طبيين من بغداد باستخراج حوالي 400 جثة من الموقع تحت إشراف الفرقة.

فواز عبد الأمير من “اللجنة الدولية لشؤون المفقودين”، منظمة دولية تعمل على وضع إجراءات فعالة لحماية المقابر الجماعية وإستخراج الجثث، قال لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية: “هذه الحفريات غير مقبولة. يجب أن تقوم بها فرق مدربة ذات خبرة كافية كونها تتعامل مع رفات بشرية في مسرح جريمة”.

هذا ثاني تقرير يتطرق إلى عمليات استخراج جثث مرتجلة وغير مهنية تتم دون إذن.

عمليات القتل واسعة النطاق أو المنهجية المرتكبة من قبل دولة أو جماعة منظمة كجزء من هجوم ضد السكان المدنيين – ضمن سياسية لارتكاب القتل – تشكل جريمة ضد الإنسانية. يشكل القتل المتعمد للمدنيين والأسرى المدنيين أو العسكريين خلال نزاع مسلح جريمة حرب.

لتسهيل المحاسبة عن هذه الجرائم، على العراق المصادقة على “نظام روما الأساسي”، مما يمنح “المحكمة الجنائية الدولية” الصلاحية القضائية تجاه جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة هناك. يجب أن يشمل القانون العراقي محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

على جميع أطراف النزاع في العراق احترام معاهدة أوتاوا (حظر الألغام) لعام 1997، التي صادق عليها العراق.

“من المفهوم تماما أن للناس رغبة ملحة في استخراج رفات أحبائهم من قبور داعش الجماعية، لكن عمليات استخراج الجثث السريعة تضر جدا بفرص تحديد الضحايا والحفاظ على الأدلة. بينما قد يكون استخراج جثث القتلى في الخفسة صعبا، على السلطات القيام بما في وسعها لضمان وصول أولئك الذين فقدوا أحباءهم هناك إلى العدالة”.

عمليات القتل في الخفسة

أخبر 8 من سكان القرى القريبة من الخفسة منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أنهم شاهدوا في 10 يونيو/حزيران 2014 مقاتلي داعش يجلبون إلى الحفرة 4 شاحنات كبيرة ملأى بأشخاص معصوبي الأعين ومقيدين. وصف 2 من سكان قرية العذبة (3 كيلومترات من الخفسة)، و2 من سكان سوادة (قرية مجاورة)، ومقيم في إربد (3 كيلومترات)، ما شاهدوا وقتما كانوا قادرين على رؤية الموقع.

قال الشهود إن المقاتلين أنزلوا الرجال، ووضعوا معظمهم في صف على حافة الحفرة، ثم أطلقوا النار عليهم لتسقط الجثث فيها. أطلق المقاتلون النار على عدد مشابه من مسافة قصيرة وألقوا أجسادهم في الحفرة، وفقا لما ذكره الشهود. قال أحد الرجال من العذبة ورجل من إربد إن مقاتلي داعش أخبروهم في وقت لاحق بأن الرجال الذين أُعدموا هم سجناء من بادوش.

يبدو أن عمليات القتل في حفرة الخفسة استمرت بانتظام من أواخر 2014 إلى منتصف 2015. قال أحد سكان سوادة، وهو راعٍ، إنه كان بالقرب من الخفسة في سبتمبر/أيلول 2014، وشاهد مقاتلي داعش يصلون في شاحنة صغيرة مع ما لا يقل عن 13 امرأة، أوجههن وأجسادهن مغطاة بالكامل بعباءات ومعصوبات الأعين. قال إن مقاتلي داعش أطلقوا النار على النساء على حافة الحفرة. قال إنه شهد 3 عمليات إعدام جماعية أخرى في وقت لاحق، بما في ذلك إعدام 3 من أقاربه.

قال أحد سكان العذبة، وهو راعٍ أيضا، إنه شاهد حالة إعدام أواخر 2014، بعد أن دعا مقاتلو داعش سكان العذبة إلى المجيء إلى الحفرة من خلال مكبرات صوت المسجد. قال إن المقاتلين أحضروا 3 من أصدقائه وابن عمه إلى الموقع لأنهم اتهموا بنقل إحداثيات مواقع داعش إلى القوات العراقية. قطع المقاتلون رؤوس الرجال على لوح خشبية أمام سكان المدينة، ثم ألقوا بالجثث في الحفرة. قال إن المقاتلين قالوا له إنهم قتلوا أحد أبناء عمومته، وهو ضابط بالجيش، وألقوه في الحفرة.

قال الراعي من العذبة إنه في وقت آخر، نهاية 2014، كان مع خرافه في المنطقة ورأى مقاتلي داعش يصلون في سيارتين ويجرون رجلا كبيرا وقويا جدا. أخذوه إلى حافة الحفرة، وبينما كانوا على وشك إطلاق النار عليه، أمسك أحد المقاتلين وقفز به إلى الحفرة. قال شاهدان على عمليات إعدام متعددة إن المقاتلين بدأوا ينفذون عمليات الإعدام على مسافة أبعد من الحافة بعد الحادثة بسبب المقاتل الذي خسروه.

قال راعٍ آخر من العذبة إنه كان في فبراير/شباط 2015 على مسافة 30 مترا تقريبا من الخفسة مع خرافه عندما رأى 6 مقاتلين لداعش يصلون في حافلة كبيرة ويسيّرون ما لا يقل عن 20 رجلا إلى أرض مستوية بالقرب من الحفرة. قال الرجل إنهم صفّوا الرجال وأطلقوا النار عليهم، ثم ألقوا أجسادهم. قال الرجل إنه في آذار/مارس 2015، كان مجددا في المنطقة مع خرافه ورأى مقاتلَين يقتربون بسيارة، ويخرجون منها 4 سجناء، ويطلقون النار عليهم بالقرب من الحفرة، ثم يرمون أجسادهم فيها.

قابلت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أسرة من كوديلا، 60 كيلومترا جنوب شرق الخفسة، فرت من منزلها في مارس/آذار 2016. قال الزوج، جندي عراقي سابق، إن داعش سجنه مدة 18 يوما في القيارة في مارس/آذار 2015 لبيعه السجائر. قال إن المقاتلين أخذوا عدة سجناء من السجن أثناء وجوده، وسمع الحراس يقولون إنهم أخذوهم إلى الخفسة لإعدامهم. لم يعد السجناء.

قال رجل آخر من سوادة إنه في مطلع 2015 رأى مقاتلين يقودون 11 شاحنة تجميد باتجاه الحفرة، وسمع من مقاتلي داعش المحليين أن ما يصل إلى 1200 شخص نقلوا إلى الموقع في تلك الشاحنات كانوا قد أُعدموا في ذاك اليوم.

قال 5 أشخاص يعيشون بالقرب من الخفسة إنهم سمعوا عن إعدام ما يتراوح بين 3 آلاف و25 ألف شخص في الموقع. قالوا إنهم كثيرا ما سمعوا صراخا وإطلاق نار. بحلول أوائل العام 2015، أصبحت رائحة الجثث لا تطاق، وكانت العائلات تخبر مقاتلي داعش أنهم سيضطرون للانتقال إلى الموصل في حال استمرارها. قال أحد سكان العذبة: “كان الوقت صيفا، فكنا نضطر إلى النوم على السطح، لكننا لم نتمكن من النوم لأن رائحة الموتى كانت قوية جدا”. قال آخر: “كانت رائحة مثيرة للاشمئزاز، كنا داخل بيوتنا ولكن غير قادرين على شمها”.

استجابة للشكاوى، جلب المقاتلون عدة رافعات وألقوا محتويات عدة مقطورات كبيرة في الحفرة، ثم ام تسوية بقية الحفرة بالأرض باستخدام عدّة حفارات، وفقا لساكنين اثنين قابلتهما منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية. قال أحدهما: “لقد أخبرنا [داعش] أن المقطورات كانت مليئة بالجثث أيضا”. لم ينفذ داعش أي إعدامات أخرى في الموقع بعد طمره. قالوا إن رائحة الجثث المتحللة تقلصت بعد ذلك.

بحلول الوقت الذي استعادت فيه القوات الحكومية العراقية المنطقة المحيطة بالحفرة في شباط/فبراير 2017، بدأت الأرض المطمورة بالاستقرار. تُظهر الصور التي التقطها صحفيون دوليون بقايا ما يشبه سيارتين في وسط الحفرة المغطاة.

كان قد تم تعليم الموقع كمقبرة جماعية لداعش في أبريل/نيسان 2014 من قبل مستخدم لم يذكر اسمه، قبل وقوع المنطقة في يد داعش، ولكن كان لداعش بالفعل وجود قوي في المنطقة. قال رعاة من العذبة وضابط اتحادي إنه في مطلع العام 2004، استخدم تنظيم “القاعدة” في العراق، سلف داعش، الحفرة لوضع جثث الأشخاص الذين أعدموا بتهمة التعاون مع الأمريكيين أو حكومتيّ العراق وكردستان.