200 طفل محتجزون في معسكرات وسجون بائسة في ليبيا وسوريا والعراق
(تونس) – قالت ” منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية” اليوم إن المسؤولين التونسيين يتقاعسون في إعادة أطفال تونسيين محتجزين دون تُهم في معسكرات وسجون أجنبية لعائلات أعضاء تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”) إلى تونس. أغلب هؤلاء الأطفال محتجزون مع أمهاتهم، لكن 6 على الأقل منهم يتامى.
قالت أمهات الأطفال، في مكالمات ورسائل نادرة مع عائلاتهن، إنهن يعشن في زنزانات مكتظة في ليبيا أو في معسكرات تتكون من خيام شمال شرق سوريا، ويعانين من نقص حاد في الغذاء واللباس والدواء. قال شخصان يعيشان في تونس إن الأمهات قلن لهما إن بعض النساء والأطفال – لم يُحددا عددهم – تعرضوا للضرب على يد المحققين، وأحيانا بشكل متكرر، في سجن “الجوية” في مصراتة بليبيا، وإن بعض المحتجزين، ومنهم أطفال، يعانون من انطواء حاد ويرغبون في الانتحار.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية “المخاوف الأمنية المشروعة لا تبرّر تخلي الحكومات عن الأطفال ومواطنين آخرين محتجزين في معسكرات وسجون بائسة في الخارج. هناك أطفال تونسيون عالقون في هذه المعسكرات بلا تعليم ولا مستقبل، ولا أمل لهم في الخروج من هناك وحكومتهم لم تُقدّم أي مساعدة تُذكر”.
في ديسمبر/كانون الأول 2018، قابلت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أقارب لـ 13 امرأة و35 طفلا محتجزين في ليبيا وسوريا، وكذلك مسؤولين حكوميين، نشطاء حقوقيين، محامين، صحفيين، ديبلوماسيين غربيين، وممثلين عن “الأمم المتحدة”. وفي يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2018، زارت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية 3 معسكرات شمال شرق سوريا خاضعة للسلطات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، يُحتجز فيها نساء وأطفال تونسيون ومن جنسيات أخرى لهم صلات بأعضاء داعش.
رغم أن تونس ليست البلد الوحيد المتقاعس عن مساعدة هؤلاء النساء والأطفال العالقين على العودة إلى ديارهم، وأن الكثير من الدول الأخرى لها موارد أكبر بكثير، إلا أن تونس لها واحدة من أكبر المجموعات في هذه المعسكرات. بحسب ما قالته وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية ، يوجد حوالي 200 طفل و100 امرأة زعموا أنهم تونسيين، وهم محتجزون في الخارج دون تهم لفترات بلغت العامين بصفتهم من عائلات أعضاء داعش، أغلبهم في سوريا وليبيا المجاورة وبعضهم في العراق. الكثير من الأطفال لم تتجاوز أعمارهم 6 سنوات، ولذلك عودتهم إلى تونس مع أمهاتهم ستكون في مصلحتهم.
على الدول الأخرى المساعدة أيضا على إعادة الأطفال العالقين في العراق وليبيا وسوريا، بعد أن التحق آباؤهم وأمهاتهم بالجماعة المسلحة المتطرفة. أغلب الأطفال الأصغر سنا وُلدوا في مناطق تحت سيطرة داعش أو اتى بهم أهلهم من غير ارادتهم إلى هناك.
جميع الأقارب الذين قابلناهم تقريبا قالوا إنهم لم يستلموا ردودا على الرسائل والوثائق التي أرسلوها إلى وزارة الشؤون الخارجية ورئيس الجمهورية ومسؤولين آخرين يلتمسون منهم مساعدة النساء والأطفال على العودة إلى ديارهم.
قالت احدى الأمهات المحتجزات في سجن ليبي في رسالة إلى أحد أقاربها في 2018، اطّلعت عليها منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية “بالله عليكم أنقذوا الأطفال من الدمار. إنهم يُفلتون من بين أيدينا”.
طلبت سلطات شمال شرق سوريا وليبيا من الدول الأصلية استرجاع النساء والأطفال، وقالت إنها لا تخطط لمحاكمتهم. في حين حاكم العراق أجانب بالغين وأطفالا لم يتجاوزوا 9 سنوات بسبب صلاتهم بداعش – بإجراءات غالبا ما لا تستجيب لمعايير المحاكمة العادلة – لكنه طلب أيضا من الدول استرجاع أطفالها. أعادت 9 دول على الأقل حوالي 200 طفل وامرأة محتجزين في العراق وليبيا وشمال شرق سوريا، باعتماد طرق مختلفة، وهو ما يبرز أن الأمر ممكن.
في ردّ كتابي على طلبات الإدلاء بتعليق، قالت وزارة الشؤون الخارجية التونسية: “تولي تونس أهمية خاصة” لحالات الأطفال المحتجزين في إطار “إيمانها الراسخ بحقوق الإنسان”. لكنها ساعدت حتى اليوم على استرجاع 3 أطفال فقط من ليبيا. في يناير/كانون الثاني، أفادت تقارير أن تونس وافقت أيضا على إعادة 6 يتامى يعيشون في مأوى تابع لـ “الهلال الأحمر” بليبيا في منتصف فبراير/شباط.
كما قالت وزارة الشؤون الخارجية في ردّها إن الحكومة لن ترفض استقبال محتجزين لهم جنسية مثبتة، مشيرة إلى أن الدستور التونسي يحظر إنكار الجنسية أو سحبها أو منع المواطنين من العودة. رغم أن منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية لم تجد أي أدلة على رفض تونس استقبال مواطنيها على الحدود، إلا أن أغلب المحتجزين أو كلهم ليس أمامهم أي طريقة لمغادرة المعسكرات والسجون الموصدة للوصول إلى القنصليات والحدود التونسية إلا بتدخل من الحكومة، لأن بعضها يبعد مئات الكيلومترات وموجودة على الطرف الآخر من مناطق النزاع.
ينصّ القانون الدولي لحقوق الإنسان على حق كل شخص في الجنسية، وعدم حرمان أيّ كان من جنسيته تعسفا. تتحمل الدول مسؤولية عدم حرمان الأطفال من هذا الحق. هذا الالتزام يشمل الأطفال المولودين في الخارج من أب أو أم من مواطنيها، وإلا فسيصيرون عديمي الجنسية. قالت “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان” إن الدول ملزمة بضمان منح الجنسية للطفل عديم الجنسية “في أسرع وقت ممكن”.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنه على الدول مثل تونس ضمان استرجاع مواطنيها الأطفال المحتجزين في الخارج فقط لأنهم من أبناء وبنات أعضاء مزعومين أو مؤكدين في داعش بشكل سريع وآمن، ما لم يكونوا يخشون تعرضهم إلى سوء المعاملة عند العودة. وإن كانت الأمهات محتجزات دون تهم، فلا يجب استرجاع الأطفال دونهن ما لم تتوفر أدلة على أن الفصل بينهم يخدم مصالح الطفل الفضلى.
إن كانت تونس والدول الأصلية الأخرى تعتبر الأمهات خطرا أمنيا، فبإمكانها التدقيق فيهن أمنيا أو، عند الاقتضاء، مراقبتهن أو محاكمتهن عند عودتهن مع احترام معايير المحاكمة العادلة. لكن عليها ألا تتدخل في حق كل شخص في دخول البلاد التي يحمل جنسيتها والعودة إليها. الأطفال الذين لهم أمهات يقضين عقوبات سجنية في بلادهن سيحظون بتواصل أفضل معهن مقارنة بالأمهات المحتجزات في الخارج.
عند عودتهم، يجب توفير خدمات إعادة تأهيل وإعادة ادماج لهؤلاء المواطنين. يجب معاملة الأطفال في المقام الأول على أنهم ضحايا، ولا يجب محاكمتهم بسبب صلاتهم بجماعات مثل داعش ما لم تتوفر أدلة على تورطهم في أعمال عنيفة. يجب أن يكون احتجاز الأطفال إجراء استثنائي وأخير ولأقصر فترة ممكنة كما تنص على ذلك معايير قضاء الأحداث. على المانحين إعطاء الأولوية لمساعدة الدول مثل تونس من أجل ضمان قدرتها على فحص العائدين أمنيا وإعادة إدماجهم.
“وهؤلاء الأطفال وأمهاتهم عاجزون عن مغادرة المعسكرات والسجون المغلقة والعودة إلى بلادهم بمفردهم. تركهم يواجهون مصيرهم في معسكرات وسجون أجنبية سيضاعف معاناتهم وقد يفاقم شعورهم بالظلم”.
أطفال عالقون في الخارج
هناك نحو 2,000 طفل و1,000 امرأة من 46 جنسية محتجزون في سجون العراق وليبيا و3 معسكرات شمال شرق سوريا – روج، عين عيسى، والهول – بسبب صلاتهم العائلية بأعضاء داعش الارهابي أو بمشتبهين بالانتماء إليه. بحسب أبحاث أجرتها منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية ، أغلب هؤلاء لم توجه لهم تُهم بارتكاب أي جرائم. لكن معظم الدول تقاعست في مساعدتهم على العودة إلى ديارهم، زاعمة أنهم قد يشكلون خطرا أمنيا أو أن التثبت من جنسياتهم قد يكون صعبا. العديد من أزواج النساء وآباء الأطفال إما مسجونون أو مختفون أو متوفون.
قُبض على أغلب النساء والأطفال المحتجزين أو سلموا أنفسهم مع انسحاب داعش من سرت في ليبيا، في ديسمبر/كانون الأول 2016؛ الموصل في العراق، في يوليو/تموز 2017؛ والرقة في سوريا، في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
كما تتقاعس عشرات الدول الأخرى التي لها موارد مالية أفضل من تونس – التي تعاني من ضائقة اقتصادية – عن استرجاع زوجات وأبناء أعضاء داعش. قالت الحكومة البلجيكية في ديسمبر/كانون الأول إنها ستستأنف أمرا صادرا عن محكمة بإعادة 6 أطفال ووالدتيهما من معسكر الهول.
تمّ نقل أكثر 200 امرأة وطفل إلى خارج السجون والمعسكرات حتى الآن، أغلبهم أعيدوا إلى ديارهم فيروسيا، كازخستان، أوزباكستان، اندونيسيا، مصر، والسودان. في المقابل، لم تسترجع ألمانيا وفرنساوالولايات المتحدة إلا عددا قليلا من هؤلاء. قالت فرنسا في أكتوبر/تشرين الأول 2018 إنها قد تسترجع عددا إضافيا من الأطفال من شمال شرق سوريا، وفي يناير/كانون الثاني قالت إنها ستستقبل أعضاء داعش الفرنسيين إن تم ترحيلهم أو عادوا بطريقة ما، ولكنها ستحاكمهم. في يناير/كانون الثاني، أطلق سراح طفلين من ترينداد من معسكر روج في عملية إنقاذ ساهم فيها روجر ووترز، أحد مؤسسي فرقة “بينك فلويد” لموسيقى الروك.
تونسيون في معسكرات وسجون
قالت السلطات التونسية إن عدد مواطنيها الذين التحقوا بداعش في الخارج ناهز الثلاثة آلاف. قال ديبلوماسيان غربيان لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنهما يعتقدان أن العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير، حيث بلغ عدد التونسيين الذين سافروا إلى سوريا حوالي 6,500، والذين سافروا إلى ليبيا بين 1,000 و1,500. في كلتا الحالتين، تُعتبر هذه النسبة واحدة من أعلى النسب في العالم مقارنة بعدد السكان. أفادت تقارير أن العدد يشمل حوالي 1,000 امرأة، رغم عدم توفر معلومات عن نسب الملتحقات بداعش والمرافقات لأزواجهن.
تشير التقديرات أيضا إلى أن تونس لها واحدة من أعلى النسب ضمن عناصر داعش الذين سلموا أنفسهم أو عادوا إلى بلدانهم بأنفسهم، وعددهم حوالي 900 بحسب مسؤولين حكوميين. قال ديبلوماسيان غربيان لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنهما يعتقدان أن العدد يقارب 1,500.
أعلنت تونس حالة الطوارئ منذ 2015، عندما بدأ داعش وجماعات مسلحة متطرفة أخرى في شنّ هجمات جماعية ضدّ مدنيين وأهداف أمنية. أفادت تقارير أن منفّذي هجومَي “متحف باردو” بالعاصمة والمنتجع السياحي بسوسة في 2015، وهما من أبرز هجمات داعش، تدربوا في ليبيا. كما فجّرت انتحاريةنفسها وسط تونس العاصمة في أكتوبر/تشرين الأول فأصابت 26 شخصا، أغلبهم من الشرطة، وكانت قد بايعت داعش دون أن تسافر للخارج.
في 2016، اقترح الرئيس الباجي قائد السبسي عفوا على مقاتلي داعش العائدين وعائلاتهم، لكنه تراجع عنه بسرعة بعد تعليقات إعلامية سلبية واحتجاجات في الشوارع.
سمحت تونس فقط باسترجاع 3 أطفال كانوا محتجزين في سجن لعائلات أعضاء داعش في ليبيا، بحسب مسؤولين حكوميين وأقارب للأطفال ونشطاء حقوقيين. ذكرت وسائل إعلام ليبية أن السلطات التونسية قالت إنها ستسترجع 6 يتامى بعد أن دعت “جمعية الهلال الأحمر بمصراتة”، التي تعتني بالأطفال، تونس في 17 يناير/كانون الثاني إلى إعادتهم في غضون شهر واحد.
قال مسؤولون في وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية إنه يوجد حوالي 100 امرأة و200 طفل محتجزون في الخارج بصفتهم من عائلات أعضاء داعش، لكنهم أحالوا منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إلى وزارتي الخارجية والداخلية للحصول على أعداد ونسب دقيقة. لم تردّ كلا الوزارتين على طلبات منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية للحصول على معطيات.
قامت “جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج” غير الحكومية بجمع معلومات عن 116 محتجزا تونسيا – 93 طفلا و23 امرأة – قالت إن أكثر من نصفهم في ليبيا، وقرابة ثلثهم في سوريا، والبقية في العراق وتركيا وأماكن أخرى. حوالي نصف الأطفال الذين تتعقبهم هذه الجمعية لم يتجاوزوا العامين، وأربعة أخماسهم دون السادسة.
تحديد جنسيات المحتجزين قد يكون معقدا. رغم أنه يُمكن تمرير الجنسية التونسية من قبل الأب والأم، إلا أن العديد من المحتجزين، لا سيما الأطفال الذين ولدوا في مناطق كانت تحت سيطرة داعش، ليس لديهم أدلة تثبت هويتهم، وربما لهم جنسية ثانية إن كان أحد الوالدين أجنبيا. قطعت العديد من الدول علاقاتها الديبلوماسية مع سوريا، ومنها تونس، والتحالف الكردي الذي يسيطر على معسكرات شمال شرق سوريا ليس حكومة معترف بها دوليا. وفي ليبيا، توجد حكومتان تتنازعان الشرعية، والسجون التي تحتجز النساء والأطفال تقع تحت سيطرة ميليشيات مختلفة.
في ما بدا أنه مسعى لاسترجاع أطفال محتجزين في ليبيا، زارت بعثة رسمية تونسية في أبريل/نيسان 2017 ممثلين عن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس. قال 3 مسؤولين حكوميين تونسيين لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن البعثة جلبت معها أدوات لفحص الحمض النووي للمساعدة في تحديد هويات الأطفال، لكنها لم تستخدمها بسبب عدم اتفاق السلطات الليبية والتونسية على شروط نقلهم.
قال المسؤولون إن حكومة الوفاق الوطني كانت تريد أن يسترجع التونسيون النساء والأطفال وما لا يقل عن 80 جثة في المشرحة قالت إنها لمقاتلين تونسيين مع داعش، لكن السلطات التونسية كانت ترغب فقط في استرجاع الأطفال كخطوة أولى، خشية أن تشكل أمهاتهم خطرا أمنيا أكبر. هناك واحدة من بين الأمهات المحتجزات في ليبيا عُلم أنها وافقت على الانفصال عن أبنائها التونسيين.
اتهم محمد بن رجب، رئيس جمعية انقاذ التونسيين العالقين بالخارج، السلطات التونسية بالتشبث بإعادة الأطفال أولا كخدعة لعدم إعادة أي امرأة. قال: “الحكومة التونسية لا ترغب في إعادة الأطفال أو أمهاتهم”.
في محاولة يائسة لإيجاد حل، دفعت 4 عائلات تونسية لمحام ليبي مبلغ 2,000 دينار ليبي (1,440 دولار أمريكي) عن كل طفل لإخراج 5 أطفال من ليبيا، لكن المحامي تمكن فقط من المساعدة في إطلاق سراح طفلين شقيقين، سمحت لهما السلطات التونسية بالعودة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وصف تقرير أصدره “مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان” في أبريل/نيسان سجن معيتيقة بطرابلس وسجن الجوية في مصراتة بـ “مراكز معروفة بتفشي ظاهرة التعذيب وغيرها من الانتهاكات والتجاوزات ضد حقوق الإنسان”، بما فيها انتهاكات ضدّ النساء والأطفال. لم يتطرق التقرير إلى المحتجزين الذين لهم صلات بأعضاء داعش. بحسب أقارب ونشطاء حقوقيين وصحفيين، يوجد في سجني معيتيقة والجوية ما لا يقل عن 53 تونسيا: 29 طفلا و24 امرأة.
لم ترد السلطات الليبية على طلبات جديدة قدمتها منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية لزيارة سجن معيتيقة، الذي تديره “قوة الردع الخاصة” المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس، وسجن الجوية، الذي تديره نظريا الشرطة القضائية التابعة لحكومة الوفاق الوطني. كما مُنعت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية في سبتمبر/أيلول 2018 من الوصول إلى ملجأ تديره جمعية الهلال الأحمر بمصراتة.
روايات العائلات
أغلب أفراد العائلات الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في تونس قالوا إن قريباتهم تم تجنيدهن بالخداع أو إغراؤهن أو إجبارهن من قبل أزواجهن، لكن آخرين قالوا إنهن ذهبن بمحض إرادتهن.
ليس في وسع منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية تقييم دوافع هؤلاء النساء. ذكرت دراسات حول مسألة التجنيد، الإكراه والرغبة في الحفاظ على وحدة الأسرة كأسباب دفعت النساء إلى الالتحاق بداعش في الخارج، لكنها أشارت أيضا إلى عوامل أخرى مثل الدوافع الإيديولوجية والبحث عن المغامرة. لاحظت القرارات الملزمة ومبادئ الأمم المتحدة حول تعامل الدول مع جماعات مثل داعش أن النساء والأطفال الذين لهم صلات بالمتطرفين المسلحين قد يكونون جناة أو مساندين أو ضحايا للإرهاب.
قالت حميدة حمود متحدثة عن زوجة ابنها الأمية، المحتجزة حاليا مع أطفالها الأربعة في معسكر عين عيسى: “كانت مطيعة جدا”. كما قال أقارب آخرون إن اثنتين من النسوة كُنّ عرائس في سنّ الطفولة عندما غادرتا مع زوجيهما إلى سوريا.
قالت زهرة الحامي إن 4 قريبات لها، محتجزات الآن مع 5 أطفال في معسكر روج، غادرن مع أزواجهن أو التحقن بهم في سوريا في 2015 حفاظا على وحدة أسرهن. قالت: “بعد 45 يوما، اتصلن بنا وقُلن ‘نريد العودة’، لكن حراس الحدود الأتراك منعوهن من الخروج من سوريا”.
بصرف النظر عن دوافع النساء، قال أقارب في تونس إن الأطفال العالقين في الخارج جُلبوا إلى مناطق داعش من قبل آبائهم وأمهاتهم، أو وُلدوا هناك. قال منصف العابدي إن شقيقته وحيدة وزوجها التونسي كانا يعملان في وظائف عادية عندما انتقلا إلى ليبيا في 2013. ولكن بعد سنتين، التحق زوجها بداعش. اتصلت وحيدة بالعائلة باكية، ومتلهفة للعودة إلى تونس مع ابنها براء، لكنها قالت إن زوجها هددها ‘إن أنت ذهبت، ابني سيبقى معي’.
في 2016، أثناء اشتباكات بين جماعات مسلحة في مدينة صبراتة الساحلية، قُتل والد براء واخترقت رصاصة ظهر براء وخرجت من بطنه. براء (4 أعوام) خضع إلى 5 عمليات ويحتاج إلى عملية إضافية لا يمكن اجراؤها في ليبيا، بحسب العابدي.
براء ووحيدة محتجزان معا في سجن معيتيقة. لمّت قوة الردع الخاصة شملهما بعد أن أمضى براء 4 أشهر في مستشفى. نشرت الميليشيا فيديو للمّ الشمل ظهرت فيه وحيدة تبكي بشكل هستيري، وبراء الذي كان طفلا يحبو ينظر في خوف وذهول. سألتهم وحيدة “هل أستطيع ضمّه أرجوكم؟” كان هذا واحدا من عدةفيديوهات نشرتها قوة الردع الخاصة وحكومة الوفاق الوطني حول نساء وأطفال تونسيين محتجزين يبدو أنهم يلقون باللوم على تونس بسبب انسداد أفق عودتهم.
قال العابدي إنه طالب السلطات التونسية بشكل متكرر بالسماح لبراء بالعودة. قال: “هو مجرّد طفل صغير، فلماذا يُعاقب على جرائم والده؟”
الوصف الذي قدّمه الأقارب لظروف العيش البائسة في المعسكرات الثلاثة في شمال شرق سوريا كان متسقا مع نتائج توصلت إليها منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية حول هذه المواقع في 2018، حيث تحتجز “قوات سوريا الديمقراطية” ما يصل إلى 1,750 امرأة وطفل أجانب، منهم 150 تونسيا على الأقل. قالت محتجزات لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أثناء زيارات في 2018 إن الرعاية الصحية المتخصصة والأدوية والغذاء، بما في ذلك حليب الرضع، نادرة، وإن برامج المشورة وإعادة التأهيل غائبة تماما. بعض النسوة قُلن إن المحققين، وهن نسوة أيضا في العادة، يضربهن أثناء التحقيق الأولي معهن في مرافق الاحتجاز، قبل نقلهن إلى المعسكرات.
الأوضاع في معسكر الهول “حرجة” وأفادت تقارير عن وفاة ما لا يقل عن 29 طفلا ومولودا جديدا في المعسكر أو في الطريق إليه منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول، وبشكل أساسي بسبب انخفاض الحرارة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
قالت برنية المثلوثي إن حفيدها (7 سنوات) قال باكيا في ديسمبر/كانون الأول “أنا جائع، أنا جائع”، عندما كانت تتحدث عبر الهاتف مع زوجة ابنها وأحفادها الثلاثة في معسكر الهول. كما قالت إن عاصفة رملية هبّت على المكان منذ شهرين، فدمرت الخيمة التي تأوي العائلة، وإن الأطفال لا يستطيعون فعل شيء لتمضية الوقت سوى “اللعب بالتراب والحجارة”.
شهيبة الغانمي، التي زارت زوجة ابنها وحفيديها في سجن الجوية في 2018 قالت: “كان الطفلان وأمهما جائعين، ووجوههم شاحبة. قالت الأم إنهم على قيد الحياة لأنهم يأكلون المعكرونة المطبوخة في الماء. أعطيت قطعة حلوى وكعكة لأحمد، فلم يعرف ما هي. لقد أكل الحلوى بغلافها الخارجي”.
قال أقارب تونسيون إن معسكرات شمال سوريا وسجون ليبيا تبيع أيضا الغذاء بأسعار باهظة جدا، والعائلات لا تستطيع دائما ارسال المال.
قال بعض الأقارب لـمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنه بالإضافة إلى براء العالق في ليبيا، يوجد طفلان آخران عالقان في سوريا يحتاجان إلى عمليات جراحية: أحدهما (10 سنوات) قد تشوّه وجهه بعد انفجار عبوة غاز في خيمة في معسكر روج، والآخر (4 سنوات) يعيش مع أمه في مخيم للنازحين السوريين في عزيز، ويحمل ثقبا في جمجمته بسبب هجوم تفجيري. والد هذا الطفل تونسي وهو متوفي.
الأطفال العائدون
قالت وزارة الخارجية في ردّها الكتابي إنها تأكدت أن “عددا” من الأطفال تونسيون عبر تحليل الحمض النووي، وهي بصدد إعادة تأهيلهم، دون مزيد من التفاصيل. قال نشطاء حقوقيون وأقارب ومسؤولون حكوميون آخرون إنهم يعلمون بعودة 3 أطفال فقط. أحد هؤلاء يُدعى تميم (4 سنوات)، وهو يتيم تصدّر عناوين الأخبار عندما أعادته السلطات من ليبيا في 2017. قُتل والدا تميم في فبراير/شباط 2016 أثناء غارات جوية أمريكية وقتال أرضي في صبراتة. قال جده فوزي الطرابلسي إنه ذهب إلى ليبيا 4 مرات محاولا استرجاعه، قبل أن تسمح له السلطات التونسية بذلك.
في شهره الأول في تونس، وضعت السلطات تميم في قسم خاص بالأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة بأحد المستشفيات. قال جده إنه تلقى رعاية طبية ونفسية لمدة شهر هناك، لكنه لم يحصل على أي شيء آخر بعدها.
قال أقارب لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن الطفلين الآخرين اللذين عادا إلى تونس هما صبي (10 سنوات) وطفلة (7 سنوات) بقيت أمهما محتجزة في مصراتة، ويحصلان على مساعدة من معالج نفسي عينته الدولة. قال الأقارب إن الأطفال الثلاثة تأقلموا على ما يبدو مع الحياة في تونس.
قالت وزارة الخارجية إن الحكومة أيضا بصدد تطوير مجموعة من برامج الوقاية واعادة التأهيل وإعادة الإدماج لمواجهة التطرف المسلح. قال ديبلوماسيون غربيون إن أغلب هذه البرامج مازالت في مرحلة التخطيط لأن تونس تعاني من سجون مكتظة وأزمة اقتصادية واضطرابات سياسية.
قالت وزارة الخارجية إن تونس “تعمل على إعادة تأهيل وادماج المقاتلين الارهابيين الأجانب وعائلاتهم” بما يتماشى مع قرارات “مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة”، مثل القرار رقم 2396 لسنة 2017. يؤكد هذا القرار الملزم على حاجة الأطفال إلى إعادة الادماج وإعادة التأهيل في أسرع وقت.
جميع الأقارب الذين قابلتهم منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية في تونس قالوا إنهم يعتقدون أن الطريقة الأمثل لمساعدة الأطفال على التعافي من تجربة الاحتجاز والعيش في ظل داعش هي استرجاعهم وأمهاتهم من قبل السلطات التونسية.
قال محمد الكيلاني متحدثا عن ابنته وطفليها التوأمين (عامين): “مازالت ترضعهما، ولا يستطيعون الانفصال”. ابنته محتجزة مع 4 أطفال في معسكر روج. أضاف: “الأطفال أبرياء ولم يفعلوا شيئا خاطئا. إن ارتكبت ابنتي أي جرائم، فاتركوها تعود وحاكموها في بلادها”.