مقابر جماعية في مناطق “داعش” السابقة السورية
(عمان) – قالت ” منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية ” اليوم إنه يجب دعم مجموعة محلية تعمل للكشف عن مقابر جماعية شمال شرق سوريا التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بداعش)، وتقديم المساعدة التقنية لها لحفظ الأدلة على جرائم محتملة والتعرف على الرفات.
مع وجود عدد غير معروف من المقابر الجماعية في مدينة الرقة والمناطق المحيطة بها، وآلاف الجثث التي لم تُستخرج بعد، تكافح السلطات المحلية التابعة لـ “مجلس الرقة المدني” لمواجهة التحديات اللوجستية المتمثلة في جمع وتنظيم المعلومات حول الجثث التي تم العثور عليها، وتوفيرها للعائلات التي تبحث عن أقارب مفقودين أو متوفين. تحديد الأشخاص المفقودين والحفاظ على الأدلة للمحاكمات المحتملة سيكون لهما آثارا على العدالة في سوريا ككل.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية: “في مدينة الرقة 9 مقابر جماعية على الأقل، في كل منها عشرات الجثث إن لم تكن المئات، مما يجعل استخراج الجثث مهمة غير سهلة. دون المساعدة التقنية اللازمة، قد لا توفر هذه الجثث للعائلات الأجوبة التي كانت تنتظرها، ويمكن أن تلحق الضرر أو تدمر الأدلة الحاسمة لجهود العدالة المستقبلية”.
في 12 يونيو/حزيران 2018، أنهى “فريق الاستجابة الأولية” في الرقة الكشف عن مقبرة جماعية تحتوي على 553 جثة، وإعادة دفنها في مقبرة محلية بعد تسجيل معلومات تحديد الهوية الخاصة بهم، وبدأ العمل في الكشف عن مقبرة أخرى. المقبرة الأولى التي تقع في ملعب الرشيد بمدينة الرقة، هي الأولى من بين 9 مقابر جماعية عرفها الفريق، حسبما قال قائد الفريق لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية. زار باحثو منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية الموقع في مايو/أيار. يعمل فريق الاستجابة الأولية تحت سلطة مجلس الرقة المدني، وهو جهاز حكم محلي أنشأه “مجلس سوريا الديمقراطي” في أبريل/نيسان 2017.
احتجز داعش آلاف الأشخاص خلال سيطرته على المنطقة، من يونيو/حزيران 2014 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2017، عندما استعادت المدينة مجموعات مسلحة على الأرض مدعومة جوا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. أطلق أقارب بعض المعتقلين الذين ما زالوا في عداد المفقودين حملة في أواخر عام 2017 باسم: “أين مختطفو داعش؟” لطلب مساعدة التحالف في تحديد مصير ومكان معتقلي داعش. لم يتلقوا حتى الآن استجابة. تقدر السلطات المحلية أن آلاف الآخرين قُتلوا خلال معركة استعادة المدينة، وكثير منهم دفنوا على عجل، أو بقيت أجسادهم تحت الأنقاض.
قال ياسر الخميس، رئيس فريق الاستجابة الأولية لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن الفريق يعتقد استنادا إلى ملاحظاته تجاه الإصابات والتقارير الواردة من أفراد العائلات الذين حددوا رفات أقاربهم، أن موقع الرشيد يحتوي على مزيج من ضحايا الغارات الجوية ومقاتلي داعش، وربما احتوى أيضا على مرضى من مستشفى قريب. قال إن العمال حددوا نساء وأطفالا ورجالا بين الجثث. من بين الجثث الـ 106 التي تم استخراجها في وقت زيارة منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية ، حدد الفريق 5 أشخاص يبدو أنهم من مقاتلي داعش على أساس ملابسهم، ويعتقد أن البقية مدنيون. حيثما أمكن، قام الفريق بتسجيل أسماء القتلى وأي فرد من أفراد العائلة المباشرين الذين تمكنوا من التعرف عليهم.
تمت المعاينة من قبل باحثو منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية التفاصيل الأساسية التي سجلها الفريق حول الجثث التي تم العثور عليها. لكل حالة، حدد أحد أعضاء الفريق الجثة وسجّل أسباب الوفاة المحتملة، والإصابات والجنس ولون الشعر والطول واللباس والعمر التقريبي، إذا كان بالإمكان تحديده، وكذلك أي شيء موجود مع الجثة. حددوا هذه المعلومات بناء على تقييم بصري للرفات التي تم استخراجها. لم يلتقطوا صورا طبقا لمعايير الطب الشرعي الدولية، وهي ممارسة مهمة في العمل على حفظ سجل أكثر موثوقية للموتى. كان معظم أعضاء الفريق من المتطوعين الذين ليس لديهم خبرة في الطب الشرعي. كان الطبيب الشرعي للفريق ممارس عام قبل طرد داعش من المنطقة وليس لديه خبرة سابقة أو تدريب رسمي في تحليل الطب الشرعي.
طور الفريق آلية عمله بناء على استشارات هاتفية مع منظمات دولية. لكن نقص المعدات التقنية والخبرة في مجال الطب الشرعي، بالإضافة إلى مرور 7 أشهر على الأقل منذ الدفن الأولي، جعل عملية تحديد الهوية غير دقيقة وقابلة للخطأ.
كما أن عمليات استخراج الجثث في الرقة تزداد تعقيدا بسبب وجود الألغام الأرضية. قال الخميس إنه يجب إزالة الألغام الأرضية التي زرعها تنظيم داعش من جميع مواقع المقابر الجماعية، قبل أن يتمكن الفريق من إخراج الجثث. سبق أن وثّقت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية المخاطر التي يواجهها المدنيون بسبب الألغام الأرضية في الرقة، وأجزاء أخرى من سوريا والعراق كانت تخضع في السابق لسيطرة داعش، بما فيها مواقع لمقابر جماعية أخرى.
استخراج وتحليل بقايا الهياكل العظمية من المقابر الجماعية عملية معقدة تتطلب خبرة في جمع المعلومات حول المفقودين، وقدرة على إجراء الحفريات، ومهارات في التعرف على الجثث وتحديد سبب الوفاة. عندما تنطوي القضية على انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، فإن استخراج الجثث دون خبراء الطب الشرعي يمكن أن يدمر الأدلة الهامة ويزيد من تعقيد تحديد هوية الجثث.
وخلُصت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إلى إن عائلات المفقودين أو الذين قتلوا خلال معركة الرقة تفتقر إلى هيئة مركزية أو مكتب حيث يمكنهم تقديم معلومات حول أقاربهم المفقودين أو الذهاب لتلقي معلومات عنهم. وصل البعض إلى موقع المقبرة الجماعية، لكن عديد من العائلات لم تعد تعيش في المنطقة. حتى بالنسبة لمن هم في المنطقة، فإن الفريق يفتقر إلى القدرة على الرد بشكل منتظم على الاستفسارات.
قال ممثلون عن مجلس الرقة المدني لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن أجهزة الاستخبارات المحلية كانت مسؤولة عن تلقي وتقديم معلومات عن المفقودين أو المختفين إلى العائلات، لكن أجهزة المخابرات لا تتيح بسهولة طلبات الاجتماع بالمدنيين. في بعض الحالات، لا يدرك المدنيون أن أجهزة الاستخبارات المحلية هي الكيان المسؤول.
كما أن السلطات المحلية حصلت على دعم قليل من المنظمات الدولية في هذا المجال. إحدى القضايا التي تم الإبلاغ عنها هي أن بعض المنظمات الدولية غير راغبة أو مترددة في دعم السلطات المحلية خوفا من ازعاج سلطات الحكومة السورية في دمشق أو تعريض علاقاتها مع تركيا للخطر، وكلاهما معاد للسلطات المحلية.
على السلطات المحلية تعيين سلطة مدنية مركزية حيث يمكن للعائلات جمع أو توفير معلومات عن المفقودين، واستكشاف طرق للتواصل مع العائلات التي تعيش في مناطق خارجة عن سيطرتها. على السلطات أيضا إنشاء قاعدة بيانات رقمية، تشمل صورا وفقا لمعايير الطب الشرعي الأساسية، للجثث التي أخرِجت من المقابر الجماعية.
على أعضاء المجتمع الدولي الذين يقدمون الآن دعم إعادة التأهيل والاستقرار، وأبرزهم الولايات المتحدة، دعم السلطات المحلية في تطوير وصيانة نظام أكثر دقة لتخزين المعلومات المتعلقة بالمفقودين وتحديد الرفات المنقوصة. في الوقت الذي تقدم فيه الولايات المتحدة التمويل إلى مجلس الرقة المدني والفريق، فإن المبالغ ليست علنية، ولاحظ الفريق أن عمله تأثر مؤقتا بتجميد مارس/آذار 2018 لمبلغ 200 مليون دولار في صناديق الحكومة الأمريكية لإعادة الاستقرار في سوريا. كان من الواضح لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أن الفريق يحتاج إلى مزيد من التدريب والمساعدة الفنية من أجل إخراج الجثث وجمع البيانات دون فقد المعلومات الضرورية لتحديدها.
كما ينبغي على المنظمات الدولية التي لديها خبرة في الطب الشرعي توفير الدعم الفني، بما فيه إرسال خبراء الطب الشرعي لدعم عمليات تحديد الهوية واستخراج الجثث، وينبغي على السلطات المحلية تسهيل العملية قدر الإمكان.
إذا استمر العمال في نبش القبور دون تدريب تقني ومعدات ودعم مناسب، فقد تفقد العائلات الفرصة لتحديد رفات أحبائهم بدقة. قد يتم فقدان الأدلة المتعلقة بالجرائم في المنطقة، بما فيه جرائم داعش الارهابي.
وقال طارق الصفراني مدير عام الدائرة العربية في منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية “تستحق عائلات الذين قتلوا على يد داعش أن تعرف مصير أحبائها وأن تصل إلى العدالة في تلك الجرائم، والحفاظ على الأدلة من هذه المقابر الجماعية هو جزء أساسي من ذلك. تقوم المجموعات المحلية بكل ما يمكنها فعله، ولكنها تحتاج إلى دعم لتنفيذ أعمالها الصعبة والخطرة بطريقة تدعم حق العائلات في الحصول على معلومات دقيقة عن القتلى”.