نازحو تاورغاء الليبية لا يستطيعون العودة
رغم الاتفاق، العودة معطّلة بسبب الأضرار المتعمدة ومخاوف أمنية
(الجزائر) قالت ” منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية” اليوم، بعد زيارة إلى تاورغاء بليبيا، إن معظم سكّان هذه البلدة البالغ عددهم 48 ألفا، والمهجّرين قسرا منذ 7 سنوات، لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.
رغم اتفاقات المصالحة التي كانت من المفترض أن تُسهّل عودة سكان تاورغاء، فإن الدمار الشامل والمتعمد الذي طال البلدة وبنيتها التحتية، والشعور السائد بانعدام الأمن، منعا جميع العائلات باستثناء قلّة منها من العودة. أبرز تحليل لصور بالأقمار الصناعية بين 2013 و2017، لما كانت تاورغاء تحت سيطرة فعلية لميليشيات من مدينة مصراتة القريبة، أن أكثر من 20 كيلومترا من شبكة الكابلات الكهربائية تحت الأرض، قد أزيلت وربما سُرقت.
قالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية “الميليشيات التي اقتلعت سكان تاورغاء من أرضهم وطردتهم، وأغلبها من مصراتة، لم تكتف بذلك، بل أشرفت على التدمير المنهجي للمدينة، لمنع النازحين من العودة إليها على ما يبدو. على حكومة الوفاق الوطني وضع خطة عاجلة لتحقيق عودة آمنة لسكان تاورغاء، مع ضمان إعادة الإعمار، والأمن، ومحاسبة عناصر وقادة الميليشيات المتورطة في التهجير والتدمير المتعمدين”.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إنه ينبغي لمدّعية “المحكمة الجنائية الدولية” النظر في احتمال حصول جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية ضدّ سكان تاورغاء في إطار جهود التحقيق التي يبذلها مكتبها لمعالجة الانتهاكات الجسيمة المستمرة في ليبيا.
يُقدّر عدد سكان تاورغاء بـ 48 ألفا وهو مهجرون في كافة أنحاء البلاد منذ الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011. في أغسطس/أب من ذلك العام، فرّ جميع سكان البلدة عند اقتراب المجموعات المناوئة للقذافي، وأغلبها من مصراتة، خوفا من الهجمات والانتقام.
لاحقا، قامت مجموعات مصراتة والسلطات المدنية بمنع وتهديد سكان تاورغاء من العودة إلى ديارهم، متهمة إيهم بمساندة القذافي في ارتكاب فظاعات في حق الساعين إلى اسقاطه، وهو ما يرقى إلى عقاب الجماعي وتهجير القسري وجريمة محتملة ضدّ الإنسانية. لم يتمكن سكان تاورغاء من زيارة ديارهم، ناهيك العودة إليها، حتى توقيع اتفاق السلام في 2018.
وقّع ممثلون عن المدينتين اتفاق مصالحة في يونيو/حزيران نصّ مبدئيا على عودة سكان تاورغاء. لكن بحسب “المنظمة الدولية للهجرة”، لم يتجاوز عدد العائلات التي حاولت الاستقرار بالمدينة 100 تقريبا حتى ديسمبر/كانون الأول. وجد العائدون بنية تحتية مدمرة، مع انعدام الكهرباء والماء والاتصالات، وضآلة الخدمات التعليمية والصحية. قال بعضهم إنهم ما زالوا يخشون هجمات ميليشيات مصراتة وانتقامها.
وزارت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية تاورغاء في سبتمبر/أيلول وقابلت “المجلس المحلي”، وهو الهيئة الرئيسية الممثلة للسكان والمسؤولة عن تنسيق إغاثة المدينة، بالإضافة إلى منظمات غير حكومية، والقائد المسؤول عن الأمن في “المنطقة العسكرية الوسطى” – وهي وحدة متكونة أساسا من عناصر من مصراتة وتابعة لوزارة دفاع حكومة الوفاق الوطني – و8 عائلات عادت إلى تاورغاء. كما زارت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية مصراتة وقابلت مسؤولين بالبلدية شاركوا في محادثات العودة ويُشرفون على تطبيق اتفاقات السلام نيابة عن مصراتة.
أيضا، قابلت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية في ديسمبر/كانون الأول عبر الهاتف 5 عائلات من تاورغاء تعيش في طرابلس، بنغازي، وأجدابيا، وجميعها قررت عدم العودة مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالدمار والأمن. تمّ تغيير أسماء الذين قابلناهم، باستثناء المسؤولين، لحمايتهم من انتقام محتمل.
قال أعضاء في المجلس المحلي بتاورغاء لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربيةإن جميع محطات الطاقة وتنقية المياه وخزانات توزيع المياه وكابلات الكهرباء تحت الأرض تعرضت للنهب أو التدمير، إلى درجة أنها لم تعد شغالة. أكّدت جولة في المدينة صحة ما قالوه بشكل كامل أو في معظمه. كما وجد الباحثون أن جميع المباني الإدارية العامة، بما فيها قاعة المحكمة، فرع البنك الرئيسي، المستشفى العام والكثير من المدارس الـ 22، إن لم تكن كلها، لحقتها أضرار، بدت في أغلبها ناتجة عن الحرق والنهب.
قال أعضاء من المجلس المحلي إن جميع المنازل الخاصة والمتاجر في البلدة تعرضت للنهب والإتلاف. لما سار الباحثون بالسيارة في البلدة وفي المناطق الزراعية القريبة من النهر، بدت جميع المباني التي شاهدوها أو توقفوا عندها تحمل أضرارا، بعضها ناتج عن الحرق.
قال 3 من أعضاء المجلس إن سكان تاورغاء حاولوا العودة لأول مرة في 2013، لكن الجماعات المسلحة من مصراتة زادت من نهب البلدة وتدميرها لمنعهم من ذلك. كما أكدت صور تاريخية بالأقمار الصناعية راجعتها منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية استمرار التدمير المتعمد للبنية التحتية للكهرباء بعد أبريل/نيسان 2013.
منذ أغسطس/آب 2011، مارست الجماعة المسلحة والسلطات المدنية بمصراتة سيطرة فعلية غير منقطعة على تاورغاء. الجماعات المسلحة كانت منتسبة في أغلبها إلى “المجلس العسكري مصراتة” الذي كان ينسق الأنشطة العسكرية للجماعات المسلحة من مصراتة بعد ثورة 2011.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربيةإن الجماعات المسلحة من مصراتة، بحُكم سيطرتها الفعلية على البلدة منذ 2011، هي التي دمّرتها ونهبتها، أو سمحت لآخرين بفعل ذلك.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن حكومة الوفاق الوطني، بصفتها السلطة المعنية المعترف بها، مُلزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بتسهيل العودة الطوعية والآمنة والكريمة للنازحين إلى ديارهم، ومساعدتهم على استعادة منازلهم وممتلكاتهم. كما ينبغي للسلطات الليبية التحقيق مع المتورطين في جرائم دولية ومحاكمتهم، بما يشمل جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، ومنهم القادة الذين كانوا يعلمون أو كان من المفترض أن يعلموا بالجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم ولم يتخذوا تدابير معقولة لمنعها.
لاحظت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أثناء الزيارة أن إعادة إعمار المدينة وتعافيها لم ينطلقا بعد جدّيا، رغم التزام حكومة الوفاق الوطني. حتى ديسمبر/كانون الأول 2018، ركّزت شركة الكهرباء العامة خطا كهربائيا وحيدا لإنارة جزء من الشارع الرئيسي. قال السكان إنه توجد منظمة غير حكومية بصدد جمع المخلفات غير المتفجرة، وكانت منظمات دولية قد قدمت مساعدات غذائية وغير غذائية محدودة. قال عبدالرحمن الشكشاك، رئيس المجلس المحلي لتاورغاء، لباحثي منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أثناء اجتماع بتاورغاء يوم 24 سبتمبر/أيلول، إن المرحلة الأولى من رفع الأنقاض وتقييم الأضرار تسير ببطء رغم تعهدات السلطات.
جميع سكان تاورغاء الذين قابلناهم عبر الهاتف قالوا إن حجم الدمار منعهم من العودة. كما عبر بعضهم عن قلقهم من التواجد في مدينة مازالت تحت المراقبة والسيطرة الفعلية لميليشيات مصراتة. قال 4 من أصل 5 نازحين من تاورغاء تمت مقابلتهم إنهم يعارضون بنود ميثاق الصلح التي تقيّد حقوقهم، منها التعبير عن أنفسهم.
قالت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن الأعمال التي تهدف إلى منع السكان المدنيين من العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة، منها وضع عراقيل مادية تحول دون عودتهم والتدمير والنهب المتعمدين، غير مشروعة.
للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية صلاحية التحقيق في الجرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الحرب، والإبادة المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011. مرّت الانتهاكات المتفشية التي ارتكبتها الميليشيات منذ ذلك الحين دون عقاب محليا ودوليا، ومنها الانتهاكات المرتكبة ضدّ سكان تاورغاء، مثل الاحتجاز الجماعي والتعسفي المطوّل، التعذيب وسوء المعاملة، التهجير القسري، والقتل غير القانوني. ينبغي لمدعية المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم المستمرة من قبل جميع الأطراف، بما يشمل الجرائم الخطيرة المرتكبة ضدّ سكان تاورغاء، ومنع الأعمال المتعمدة التي تحول دون عودتهم.
“وبالرغم أنه لا يُمكن إصلاح 7 سنوات من التهجير القسري والتشتت، إلا أن اعتماد تدابير لمحاسبة من تسببوا في منع سكان تاورغاء من العودة إلى ديارهم سيحقق العدالة لضحايا الانتهاكات الخطيرة ويعيد لهم كرامتهم، بل وسيكون رادعا لحصول جرائم في المستقبل”.
التسلسل الزمني
منذ أغسطس/آب 2011، ارتكب مقاتلون مناوئون للقذافي، وفي وقت لاحق ميليشيات أخرى أغلبها من مصراتة، الاحتجاز التعسفي والتعذيب والإخفاء والمضايقات ضدّ أشخاص من تاورغاء دون محاسبة. بحسب المجلس المحلي بتاورغاء، مازال 170 شخصا مفقودين، أغلبهم اختفوا على يد مقاتلين معارضين للقذافي أثناء ثورة 2011 أو مباشرة بعدها.
في يونيو/حزيران 2013، حاول سكان تاورغاء المشتتون في كل أنحاء البلاد العودة، لكن الميليشيات منعتهم. كما أوقفت سلطات مدينة أجدابيا، شرق البلاد، قافلة لسكان تاورغاء وأعادتها إلى بنغازي. حذرت الحكومة آنذاك، وكذلك زعماء دينيون وقادة محليون و”بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا” من مبادرة أحادية الجانب لعودة سكان تاورغاء، مشيرين إلى مخاوف أمنية.
في 2016، ساعدت الأمم المتحدة على بدء عملية مصالحة بين سكان تاورغاء ومصراتة لإنهاء التهجير القسري وتعويض الضحايا. وقع ممثلون عن الجانبين اتفاقا في أغسطس/آب 2016 نصّ على إنشاء صندوق من قبل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة لتعويض الضحايا، ورفع العراقيل التي وضعتها مجموعات مصراتة أمام عودة سكان تاورغاء.
بعد أشهر من الجدل، اتفق الجانبان في أبريل/نيسان 2017 على تعديل الاتفاق بناء على طلب من مصراتة. بدت خطة التعويض النهائية لصالح ضحايا مصراتة، الذين سيحصلون على تعويض أكبر مقارنة بضحايا تاورغاء، وألغت أي تعويضات لكل من يُفترض أنه كان من مساندي القذافي أو متعاطفا معه. البند الوحيد المتعلق بالعدالة نصّ على التالي: “على الدولة الليبية اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لتقديم المتهمين للعدالة”.
صادق المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق الوطني على الاتفاق في يونيو/حزيران 2017 وتعهد”بالاستمرار في تنسيق الترتيبات الأمنية، وتهيئة المرافق الخدمية تمهيدا لرجوع أهالي تاورغاء والعمل على توفير متطلبات العيش الكريم لهم وفق بنود الاتفاق”.
قرر الآلاف من تاورغاء العودة يوم 1 فبراير/شباط 2018 بناء على الاتفاق، لكن قوات من مصراتةمنعت الآلاف منهم وهددت باستخدام القوة ضدّ كل من يحاول، على ما يبدو بسبب عدم موافقة بعض عناصر قوات مصراتة على بنود الاتفاق. تقطّعت السبل بمئات العائلات في مخيمات مؤقتة، أغلبها في قرارة القطف، 35 كيلومتر شرق المدينة. انتهى الأمر بالكثير منهم بالعودة إلى حيث كانوا يعيشون مؤقتا.
في 3 يونيو/حزيران، وقع ممثلون عن مصراتة وتاورغاء ميثاق مصالحة، لقي معارضة شديدة من قادة من المجتمع المحلي بتاورغاء والمسنين والنشطاء، لوضع حدّ للخلاف والسماح لسكان تاورغاء بالعودة. قال الشكشاك إن الطرفين وقعا على الميثاق لتجاوز اعتراضات بعض المسؤولين والجماعات المسلحة في مصراتة، الذين كانوا يعترضون عودة سكان تاورغاء.
يفرض الميثاق، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، شروطا على عودة سكان تاورغاء، بعضها مخالف للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
يهدد الميثاق الحقوق المتعلقة بحرية التعبير، حيث نصّ على “وقف الحملات الإعلامية والتصريحات والبيانات والتظاهرات التي من شأنها تأجيج نار الفتنة “. كما نصّ على “ضمان الدخول لمن كانوا مقيمين إقامة فعلية اعتيادية بمنطقة تاورغاء قبل ثورة السابع عشر من فبراير، ممن يقرون بما ورد بهذا الميثاق، وبنود الاتفاق الموقع بين الطرفين، ويتعهدون بالالتزام بما ورد بهما”. إجبار سكان تاورغاء على الامتثال للميثاق كشرط للعودة فيه انتهاك لحقهم في العودة إلى ديارهم بصفتهم نازحين ولحقهم في التعبير بحرية (من عدمه) على آرائهم تجاه الاتفاق.
إضافة إلى ذلك، حمّلت مقدّمة الميثاق مسؤولية جرائم 2011، ومنها “جرائم ضدّ الإنسانية”، لسكان تاورغاء وحدهم، رغم وجود أدلّة على تورط مقاتلي مصراتة في فظاعات. كما ستقتصر محاسبة جرائم الحاضر والمستقبل، بحسب الميثاق، على المحاكم الليبية فقط، وهو انتهاك للحق في جبر الضرر الفعلي وتجاهل للولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية. لا يطبّق الميثاق بشكل عادل الحق في الوصول إلى الحقيقة ومعرفة ما حصل للمختفين، ويبدو أنه في صالح ضحايا مصراتة على حساب ضحايا تاورغاء.
تدمير ونهب البنية التحتية عمدا
شملت الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية في تاورغاء شبكة الكهرباء، كابلات الطاقة فوق الأرض وتحتها، ناقلات الطاقة، خزانات المياه، منشآت الاتصالات، ومحطات تنقية المياه.
أبرزت صور بالأقمار الصناعية وأدلة ميدانية جمعها باحثو منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية في سبتمبر/أيلول أن تاورغاء تعرضت إلى نهب واسع طال كابلات الطاقة تحت الأرض على مسافة 20 كيلومترا استمر بشكل متقطع من أبريل/نيسان 2013 حتى أغسطس/آب 2017، في الفترة التي كانت فيها سلطات مصراتة والجماعات المسلحة تفرض سيطرة كاملة على دخول تاورغاء، عبر نقاط تفتيش متعددة تؤدي إلى المدينة. من المرجح أن أعمال النهب تمت باستخدام آليات ثقيلة لاستخراج الكابلات، وكان نقلها إلى مكان آخر يتطلب شاحنات تعبر نقاط التفتيش.
هذه الأضرار مختلفة عن الأضرار التي صوّرتها الأقمار الصناعية في 2011، والتي شملت أضرارا تسبب فيها القتال وربما غارات “الناتو” الجوية أثناء القتال بين القوات المساندة للقذافي والقوات المعارضة له، الذي انتهى في أكتوبر/تشرين الأول 2011. فإن المرحلة الأولى من التدمير المتعمد والنهب والحرق على يد القوات المعارضة للقذافي انطلقت بعد سيطرتها على المدينة، حوالي 15 أغسطس/آب 2011. أما المرحلة الثانية من التدمير المتعمد للمباني، والتي استخدمت المتفجرات والحرق، فقد انطلقت يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أو بعده، أي بعد 3 أشهر على فرار سكان تاورغاء.
حتى ديسمبر/كانون الأول 2018، وضعت شركة الكهرباء المملوكة للدولة كابلا كهربائيا بطول 3 كيلومترات تقريبا لإنارة الشارع الرئيسي. إضافة إلى ذلك، وفرت الأمم المتحدة 8 مصابيح شوارع تعمل بالطاقة الشمسية. لم تستطع سوى قلة من السكان العائدين الاستفادة من مولدات الطاقة.
قال الشكشاك لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية إن جميع الآبار العميقة وشبكات الماء الصالح للشرب تحتاج إلى إعادة تأهيل بعد سنوات من الإهمال والأضرار بسبب التدمير والإحراق المتعمد. اعتمادا على زيارات ميدانية، ومقابلات مع أعضاء المجلس المحلي، وتحليل صور الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو، وجدت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية أن جميع آبار المياه الثمانية ومحطة تنقية المياه الرئيسية التي كانت تزود مصراتة بماء الشرب تعرضت أيضا إلى الاتلاف والنهب.
لا توجد تغطية لأي اتصالات خلوية أو أرضية أو لاسلكية في البلدة. قال الشكشاك إن أحد مزودي الهواتف الجوال وفر تغطية مؤقتة في محطة وقود في الجوار، لكن الإشارة لم تصل إلى البلدة.
قال أعضاء المجلس البلدي إن جميع الوحدات السكنية في تاورغاء، والتي يقدّر عددها بسبعة آلاف، تضررت بدرجات مختلفة منذ نزاع 2011. قال الشكشاك إن المجلس أنشأ لجنة لدراسة الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصة. كان على سكان تاورغاء تقديم ملفاتهم إلى هذه اللجنة، التي تحيلها بدورها إلى مكاتب معمارية خاصة لدراسة الأضرار وتقدير كلفة إعادة البناء. قال إن عدد الملفات المقدّمة للتقييم بلغ 300.
الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم
زارت منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية “مستشفى تاورغاء العام”، أهم منشأة صحية في المدينة، ولاحظت الأضرار الواسعة التي لحقته. جميع المعدات تقريبا تعرضت للنهب أو الإتلاف على ما يبدو، باستخدام النار في بعض الأحيان، وسجلات المرضى كانت مفقودة.
مركز الرعاية الصحية الوحيد الشغال في تاورغاء هو عيادة مرتجلة تتكون من 4 حاويات شحن نقلت إلى البلدة بعد تفكيك المخيم المؤقت لسكان تاورغاء في قرارة القطف في يونيو/حزيران. قال الممرض الوحيد في العيادة، وهو في الأصل ممرض في مستشفى تاورغاء العام، إن العيادة المرتجلة تفتقر إلى السباكة والماء والكهرباء. كما قال إنها تستطيع فقط توفير أدوية أساسية مثل مسكنات الألم، ولا تستطيع معالجة الأمراض المزمنة أو إجراء عمليات جراحية أو توليد النساء. قال إن طبيبا كان يزور العيادة من حين لآخر، لكن جميع الحالات الخطيرة تُنقل إلى مدن أخرى.
بحسب رئيس المجلس المحلي، جميع مدارس تاورغاء الـ 22 وكليتها الوحيدة لحقتها أضرار كبيرة. زار الباحثون 4 مدارس تضرّرت حرقا، ووجدوا أنها تفتقر إلى الأثاث والمعدات وملفات الطلاب. قدّمت وزارة التربية التابعة إلى حكومة الوفاق الوطني 10 حاويات لإنشاء مدرسة مؤقتة. قال الشكشاك إن الهدف كان تسجيل 500 طالب، لكن أحد السكان قال إن عدد الطلاب الذين يرتادون المدرسة بشكل غير منتظم لا يتجاوز 50، دون أن يحصلوا على البرنامج الرسمي الخاص بكل فئة عمرية.
الإطار القانوني والمحاسبة
حدّد اتفاق المصالحة الذي ساندته حكومة الوفاق الوطني في أغسطس/آب 2017 واجبات الأطراف المتفق عليها وحزمات التعويضات التي ستدفعها حكومة الوفاق الوطني إلى الضحايا أو عائلات القتلى والمحتجزين والمختفين من كلا الجانبين، وعائلات الأشخاص الذين لحقتهم إعاقات، والخسائر المحدودة في الممتلكات الشخصية. قال أعضاء المجلس المحلي إنه كان يتعين اعتبار ميثاق الصلح الذي وُقِّع في يونيو/حزيران 2018 “عقدا اجتماعيا” دون تبعات قانونية ملزمة للجانبين. لكن يبدو أن بعض البنود تسببت في تردّد الناس في العودة إلى تاورغاء.
تنص “المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي”، المستندة إلى قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني على أن يكون النزوح محددا بوقت وألا يدوم أكثر مما تتطلبه الظروف. كما ينص القانون الدولي على السماح للمدنيين المهجرين قسرا من ديارهم أثناء النزاعات بالعودة إليها في أقرب وقت ممكن ودون شروط.
ينص المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية على توفير حماية لممتلكات المشردين داخليا من “النهب، الاعتداءات المباشرة أو العشوائية وأعمال العنف الأخرى”، ولا يجب “تدميرها أو الاستيلاء عليها كشكل من أشكال العقوبة الجماعية”. كما تنص المادة أيضا على أن “تُوفر الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخليا وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضا من شغلها أو استخدامها”.
بعض الانتهاكات التي ارتكبت كجزء من هجوم واسع ومنهجي على السكان المدنيين، مثل التعذيب، الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، قد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية. خلُصت “اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في ليبيا” في تقريرها في مارس/آذار 2012 إلى أن ميليشيات مصراتة ارتكبت جرائم ضدّ الإنسانية في حق سكان تاورغاء، وأن التدمير المتعمد لتاورغاء كان بهدف جعلها غير قابلة للسكن.
رغم أن السلطات القضائية الليبية حاكمت جرائم منسوبة إلى سكان تاورغاء، ومنها عمليات قتل وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني أثناء ثورة 2011، إلا أنه لم يُحاكَم أي عناصر من الميليشيات بتهم تهجير سكان تاورغاء قسرا أو أي انتهاكات خطيرة أخرى ضدّهم.
روايات سكان تاورغاء
أجرى الباحثون مقابلات مباشرة مع 8 من سكان تاورغاء في سبتمبر/أيلول، ومقابلات بالهاتف مع 5 سكان سابقين لم يعودوا إلى المدينة بعد في ديسمبر/كانون الأول.
موسى ر.، أب لـ 12 طفلا ونازح في طرابلس منذ 2011، قال للباحثين لما التقاهم في تاورغاء في سبتمبر/أيلول، إنه كان فقط يزور المدينة ليوم واحد، وشرح لهم لماذا لا يستطيع البقاء:
دُمّر بيتي هنا في تاورغاء، وسقفه سُوّي بالأرض. لا يمكنني العودة، فالشتاء يقترب، والناس الذين يعيشون هنا سيضطرون إلى الرحيل مجددا. لا توجد رعاية لوالدتي المُسنّة والمريضة، وبعض بناتي في حاجة إلى إتمام دراستهن الجامعية.
قرر خليل ل. وإحسان أ.، زوجان لهما 6 أطفال قابلهما الباحثون في تاورغاء، العودة إلى منزلهما بعد 7 سنوات من التهجير في بنغازي مع بعض أطفالهما رغم الصعوبات.
قالت إحسان
بوسعنا البقاء هنا فقط إذا فتحوا مدرسة في المستقبل القريب، وإذا كان بها معلمون. الكثير من العائلات النازحة تخشى العودة إلى تاورغاء بسبب هجمات (ميليشيات) مصراتة. لا توجد كهرباء وماء هنا، والدمار شامل ومنهجي. أنا خائفة على الأطفال عندما سيبرد الطقس. العديد من الأشخاص لا يستطيعون العودة. والذين وجدوا مصدر عيش في مكان آخر لن يعودوا.
قال خليل لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية.
كل الكابلات الكهربائية، فوق الأرض وتحتها وفي المنازل الخاصة، تعرضت للسرقة بعد حرق المنازل لأنها مصنوعة من النحاس، والنحاس باهظ جدا. أعتقد أن شركة هي التي ربما فعلت ذلك لأن محولات الطاقة الكبيرة تعرضت للنهب أيضا. حصلت أغلب أعمال النهب في 2013، بعد أول محاولة عودة لسكان تاورغاء.
أثناء حديثه عن مضايقات ميليشيات مصراتة، قال مصطفى م.، المعارض لميثاق الصلح بين تاورغاء ومصراتة، والذي أمضى السنوات السبع الماضية نازحا في طرابلس، في مكالمة هاتفية مع منظمة حقوق الإنسان الأوربية العربية، إنه زار تاورغاء لفترة وجيزة في مناسبتين، لكنه لا يستطيع العودة بشكل دائم بسبب مخاوف أمنية:
ذهبت إلى تاورغاء مرتين في سبتمبر (أيلول) لزيارة منزلي الذي تعرّض للتدمير. في كلتا الزيارتين، بدا واضحا في نقطة التفتيش عند مدخل المدينة أنني غير مرغوب فيه لأنني غير موافق على اتفاق السلام. فتشوا سيارتي بدقة دون سيارات الآخرين، فشعرت بعدم الأمان. نفس الشيء حصل لشقيقي. قررت ألا أعود في الوقت الحالي لأن الوضع الأمني مازال هشا.
تحدث فرج هـ. (50 عاما)، نازح آخر من تاورغاء يعيش في مخيم ببنغازي، وكان قد زار تاورغاء مرتين، عن تجربته عند نقطة تفتيش:
الجانب المصراتي لديه أسلحة وأنا أخشى على سلامتي. أثناء زيارتي، أُوقفت في منطقة العين من قبل “كتيبة الزرزاح”، وهي جزء من جيش مصراتة. أخذوا أوراق سيارتي وأجبروني على السير وراءهم إلى الكراريم، وهناك انتظرت ساعتين حتى أعادوا لي الأوراق.
أحمد ب (51 عاما)، أب لسبعة أطفال يعيش في مخيم ببنغازي منذ نزوح عائلته في 2011، قال إنه زار منزله المدمّر في تاورغاء مرتين فقط منذ يونيو/حزيران، وإنه لا يستطيع العودة والعيش فيه:
لسنا نازحين. نحن في الحقيقة مشردون. لا يُمكن اعتبارنا مجرّد نازحين. عشنا على هذا الحال 8 سنوات، وأغلب الناس من تاورغاء يشعرون أنهم تورطوا في ميثاق سلام مخجل. لا توجد مدارس أو جامعات، وكلّ أطفالي يدرسون. تاورغاء في حالة دمار كامل، فقد هدّمت المدينة بأكملها. لا توجد بنية تحتية، لا ماء ولا كهرباء، والظروف قاسية جدا. أصبحت أرضا محروقة.
قال علي س. (47 عاما)، أب لخمسة أطفال نازح مع عائلته في أجدابيا منذ 2011، إنه رفض ميثاق المصالحة ويتخوف من العودة إلى تاورغاء:
أرغب في العودة ولكنني أرفضها لما تكون بهذه الطريقة. أنا غير راض عن الميثاق على الإطلاق. إنه مجرد اتفاق ضعيف ومخجل. لا يحق لمصراتة أن تقرر مصير أهل تاورغاء وأن تكون مسؤولة عن حمايتنا. منزلي غير قابل للسكن، وتعرض للحرق بشكل كبير. كما نُهب، وتم إخراج كابلات الكهرباء سرقوا حتى الأبواب والشبابيك. وعلى المستوى الأمني أيضا، الأمور ليست جيدة، فقد كنا أعداء، وهم آذونا كثيرا.
قال مصطفى كرواد، عميد بلدية مصراتة، لمنظمة حقوق الإنسان الأوربية العربيةأثناء اجتماع في مصراتة يوم 23 سبتمبر/أيلول إن سكان تاورغاء صار لهم الحق في عودة غير مشروطة لديارهم منذ توقيع ميثاق المصالحة في 3 يونيو/حزيران، وإنه لم تحصل أي حوادث أمنية شارك فيها سكان تاورغاء أثناء تلك الفترة.