معاناة الشعب السوري واستمرارية انهمار الذخائر المحظورة على المدنيين

تجاهلا للمعايير الدولية تستمر معاناة الشعب السوري واستمرارية انهمار الذخائر المحظورة على المدنيين


العملية العسكرية الروسية – السورية المشتركة استخدمت أسلحة محظورة دوليا، وغيرها من الأسلحة العشوائية في هجمات غير مشروعة على المدنيين في شمال غرب سوريا في الأسابيع الأخيرة. وفقا للأمم المتحدة، تضم المنطقة ثلاثة ملايين مدني، نصفهم على الأقل نزحوا من أماكن أخرى في سوريا.

منذ 26 أبريل/نيسان 2019، ينفذ التحالف العسكري السوري-الروسي مئات الهجمات يوميا على مناطق في محافظات إدلب وحماة وحلب خاضعة لسيطرة الجماعات المناهضة للحكومة، ما أسفر عن مقتل نحو 260 مدني، بينهم 35 طفلا. استخدم التحالف الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة المحظورة في الهجمات، إلى جانب الأسلحة المتفجرة الكبيرة الملقاة جوا والتي لها آثار واسعة، بما فيها البراميل شديدة الانفجار في المناطق المدنية المأهولة بالسكان، حسب تقارير من المسعفين والشهود ومواد مفتوحة المصدر. في 17 مايو/أيار، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا ثانيا لمناقشة الوضع في شمال غرب سوريا، لكنه لم يحدد طريقة لحماية المدنيين هناك.

ويستخدم التحالف العسكري السوري-الروسي خليطا من الأسلحة المحظورة دوليا والعشوائية ضد المدنيين المحاصرين. روسيا قامت باستخدام موقعها في مجلس الأمن الدولي لحماية نفسها وحليفتها في دمشق، ولمواصلة هذه الانتهاكات ضد المدنيين”.

تصاعد القتال في المنطقة في أبريل/نيسان بعد وقف لإطلاق النار دام 6 أشهر. قدمت روسيا دعما عسكريا وسياسيا إلى الحكومة السورية، حيث قصفت أكثر من 22 منشأة صحية وأوقفتها عن العمل منذ 26 أبريل/نيسان، بما فيها تلك التي قدمت إحداثياتها إلى الأمم المتحدة وروسيا بهدف واضح وهو حمايتها. أفادت تقارير أخبارية بتاريخ 26 مايو/أيار أن تركيا كانت تسلح المقاتلين المناهضين للحكومة، ردا على الضربات الروسية-السورية المستمرة.

في الأسابيع الثلاثة الماضية، نشر المسعفون والنشطاء توثيق 10 هجمات على الأقل باستخدام صواريخ الذخيرة العنقودية “أوراغان” (Uragan) من عيار 220 مليمتر بالإضافة إلى الهجمات بالصواريخ المحملة بالذخيرة الحارقة، إلى جانب الهجمات العشوائية الأخرى على المدنيين باستخدام القنابل الملقاة جوا. حققت هيومن رايتس ووتش في هجوم بالذخيرة العنقودية في 19 مايو/أيار، وهجوم ثان باستخدام قنبلة كبيرة أُسقطت من الجو في 23 مايو/أيار، وراجعت مواد مفتوحة المصدر، وأجرت مقابلة مع أحد المسعفين بشأن 3 هجمات بالأسلحة الحارقة في 13 و25 و26 مايو/أيار.

أسفرت هجمات 19 و23 مايو/أيار عن مقتل 13 شخصا على الأقل، بينهم 3 أطفال، وفقا لشهود عيان محليين ومسعفين.

يمكن إطلاق الذخائر العنقودية من الأرض بواسطة أنظمة المدفعية، والصواريخ، والقذائف، أو إسقاطها من الطائرات. عادة تنفتح في الهواء، وتتشظى إلى قنابل صغيرة أو ذخائر صغيرة على مساحة واسعة. العديد من الذخائر الصغيرة لا تنفجر عند إسقاطها، تاركة ذخائر خطرة يمكن أن تشوه وتقتل لسنوات، كما الألغام الأرضية. الأسلحة الحارقة، التي تنتج الحرارة والنار من خلال التفاعل الكيميائي لمادة قابلة للاشتعال، تسبب حروقا شديدة وتدمر المنازل وغيرها من الهياكل المدنية.

كما قال أحد الشهود على غارة بالذخيرة العنقودية في 23 مايو/أيار في كفرنبل: “الذخائر العنقودية هي الأسوأ، لأنها تُستخدم بقصد إلحاق الضرر بالبشر بشكل أساسي، وبكل الشظايا، ثم إذا لم تنفجر يبقى خطرها، بحيث تمنعك من التنقل في منزلك”. عُثر على عدة ذخائر صغيرة من طراز “9إن235” 9N235)) من صواريخ الذخيرة العنقودية أوراغان في موقع الهجوم، والتي لم تنفجر بعد إسقاطها ولم تتدمر ذاتيا.

تحظر “اتفاقية الذخائر العنقودية” لعام 2008 استخدام الذخائر العنقودية، بينما يحظر “البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية” استخدامات معينة للأسلحة الحارقة. روسيا وسوريا ليستا من بين 120 دولة حظرت الذخائر العنقودية، وروسيا طرف في بروتوكول “الاتفاقية بشأن حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة أو المحرمة”.

راجعنا أيضا مواد مفتوحة المصدر شاركها مسعفون وناشطون بعد هجوم الأسلحة الحارقة في 25 مايو/أيار في خان شيخون بإدلب. 

قامت المنظمة بتقييم صور الأقمار الصناعية التي اظهرت اثار حرائق متعددة على أراضي زراعية غربي مدينة خان شيخون، والتي تتوافق مع الفيديو والإفادة. تقاس اثار الحرائق تقريبا حوالي 175,000م٢ ونتجت عن  حرائق شديدة وقعت خلال ٢٤ ساعة بين ال٢٤ وال٢٥ من مايو/أيار.

وأفاد مسعفون، وصحفيون، وناشطون أيضا عن وقوع هجمات بالأسلحة الحارقة في 13 و26 مايو/أيار استهدفت كفرزيتا في محافظة حماة. راجعت المنظمة مقاطع الفيديو المتاحة للجمهور، والتي أظهرت مرة أخرى الكبسولات المحترقة وهي تسقط على الأرض. أكدت منظمات حقوقية محلية وقوع هجمات بالذخيرة الحارقة في هذين التاريخين في كفرزيتا.

مع إغلاق الحدود التركية، وعدم بقاء أي مناطق أخرى تحت سيطرة الجماعات المناهضة للحكومة، فإن المدنيين في المناطق المتأثرة الذين يخشون الاضطهاد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ليس لديهم مكان يفرون إليه بسبب أعمال العنف.

أعلنت روسيا وسوريا إتشاء ممرين أمنيين إنسانيين عن  من إدلب، إلا أن السكان قالوا لـلمنظمة إنهم لا يريدون الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة خوفا من الاضطهاد. قال السكان أيضا إنهم لا يملكون المال اللازم للمأوى والمواصلات للانتقال إلى مناطق أكثر أمانا داخل سوريا أو خارجها.

كعضو في العملية العسكرية المشتركة، تتحمل روسيا مسؤولية مشتركة عن الهجمات غير القانونية التي ترتكبها الحكومة السورية. توفير الأسلحة أو الدعم المادي لبلد أو جهة فاعلة غير حكومية، مع العلم أن من المحتمل استخدامها في انتهاك خطير للقانون الدولي، يخلق احتمال التواطؤ المورد/الداعم. ينبغي أن تحثّ روسيا حليفتها على وقف الفوري للهجمات غير القانونية واستخدام الأسلحة المحظورة.

استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ تدابير حقيقية لحماية المدنيين من الهجمات غير القانونية في سوريا. على الدول أعضاء المجلس وتلك المعنية أن توضح لجميع أطراف النزاع أنه لن يكون هناك تطبيع للوضع أو تستمر الأمور كالمعتاد طالما أن التحالف الروسي-السوري يستخدم هذه الأساليب غير القانونية، وإلى أن تتم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

أدانت دول أخرى على نطاق واسع استخدام الأسلحة الحارقة في سوريا في اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 لاتفاقية الأسلحة التقليدية. سعت أكثر من 12 دولة إلى تخصيص وقت في الاجتماعات المستقبلية لمناقشة مخاوفها وكيفية منع المزيد من المعاناة الإنسانية من هذه الأسلحة القاسية، التي تحرق ضحاياها وتشعل الحرائق التي تدمر البنية التحتية. مع ذلك منعت روسيا مقترحات لإبقاء البروتوكول الثالث للمعاهدة بشأن الأسلحة الحارقة مدرجا في جدول أعمال 2019. كما تمكنت روسيا أيضا من إحباط مزيد من الاهتمام بشأن المخاوف الإنسانية الملحة الأخرى المتعلقة بالأسلحة، مثل الألغام الأرضية المضادة للمركبات.

ان ما يحدث في إدلب اليوم هو أحدث فصل خلال 8 سنوات من عدم حماية المدنيين في سوريا. لكن لضمان ألا يكون المشهد الختامي هو المأساة التي نتوقعها، على مجلس الأمن والدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يظهروا لروسيا أنها ستتحمل تكلفة باهظة إذا لم توقف هذه الهجمات غير القانونية”.

في هجوم جوي في 19 مايو/أيار2019، بين الساعة 9 و9:30 مساءً بالتوقيت المحلي، قصف التحالف العسكري السوري-الروسي منزلين في حي البيراس بكفرنبل، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيين، بينهم 7 أطفال، وفقا لأحد الناجين وشاهد ثان. لا تستخدم دول أخرى الطائرات في منطقة إدلب.

قالوا إن الطائرات هاجمت 10 أو 11 مرة في غضون دقائق، ودمرت منزلين بالكامل تقريبا

وقالوا كنا نجلس بالداخل. فجأة شيء ما حصل من ضغط، حرّكنا. سقطت النوافذ. فُتحت الأبواب. طار الزجاج في كل مكان. كان الأمر مريعا. الضربة الثانية، بعد حوالي دقيقة أو دقيقة و15 ثانية، كانت مماثلة – أنت جالس وفجأة تسمع الانفجار، لا تسمع الطائرة، لا تسمع [الذخائر]، لا تسمع أي شيء، إلا الانفجار. الضربة الثالثة كانت بعد دقيقة. الرابعة أيضا، بين كل ضربة وأخرى، دقيقة أو أقل. كان يوما فظيعا. لا تسمعها. لا يمكنك أن تشعر [إذا] كان ستصيبك أم لا. فجأة، تندلع النيران، وتأتي الأحجار من كل اتجاه”.

قال أحد الأقارب الذي هرع إلى المنازل بعد الضربة الأولى إنه بسبب شدة الغارات، لم يتمكن هو وآخرون من إخراج الناس من تحت الأنقاض. قدّم كلا الشخصين الذين تمت مقابلتهما أسماء الضحايا الذين قالوا إنهم من أقاربهما.

قال كلاهما إن الذخائر المستخدمة كانت قنابل كبيرة أسقطت من طائرة، بناء على الضوضاء ومدى الدمار، ووصفوا حفرة لإحدى الضربات عرضها 20 متر وعمقها 10 أمتار. لم تتمكن المنظمة من الحصول على صور من البقايا لتأكيد نوع السلاح المستخدم، لكنها راجعت الصور التي قدمها الناجي، والتي أظهرت منزلا مدمرا جزئيا وكميات كبيرة من الأنقاض والغبار.

قال الاثنان إنه لم يكن هناك وجود عسكري أو مقر عسكري في الحي، وإن الحي كان معروفا بأنه أحد أكثر المناطق أمانا في المحافظة، حيث يأتي إليه الناس عندما تضربهم غارات في أماكن أخرى.

في 23 مايو/أيار2019 قال مسعف و3 شهود آخرين إنه حوالي الساعة 11 صباحا، هاجم التحالف العسكري السوري-الروسي سوقا في وسط بلدة كفرنبل، قرب عيادة طبية، بثمانية صواريخ من طراز أوراغان من عيار 220 مليمتر أطلقت من الأرض، 4 منها حملت ذخائر عنقودية.

 قال الشهود إن 3 مدنيين، بينهم طالب عمره 21 عاما في جامعة إدلب وطفل، قُتلوا وأصيب 9 آخرون. قال أحد المسعفين الأوائل الذي نقل بعض المصابين إلى نقطة طبية قريبة: “الجروح كانت منتشرة على جثث الناس”. وقال المسعفون والشهود إن الذخائر الصغيرة بدت وكأنها طلقات نارية، وإن بعضها لم ينفجر في الشوارع. قال أحد الشهود إنه رأى 2 منها تنفجران في الهواء، وقدّر أنهما أطلقتا من جنوب كفرنبل، في ريف حماة الشمالي.

قدم النشطاء والمسعفون صورا للذخائر الصغيرة غير منفجرة من نوع 9إن235، وفيديو التقط عندما وقع الهجوم، وتمكنت المنظمة تحديد نوع السلاح المستخدم. تضمنت الصور أيضا بقايا في قسم حامل الذخيرة في صاروخ الذخائر العنقودية من نوع أوراغان عيار 220 مليمتر، يحمل 30 جزءا من الذخيرة الصغيرة المتشظية التي تُسمى 9إن235.

قال شاهدان إنها ليست المرة الأولى التي يشهدان فيها استخدام التحالف السوري-الروسي ذخائر عنقودية لمهاجمة كفرنبل. وصفا هجوما بالذخيرة العنقودية في 4 أبريل/نيسان أودى بحياة 14 مدنيا على الأقل وجرح 30 آخرين. وصف أحد الشهود سماع دوي انفجارين صاخبين حوالي الساعة 10 من صباح ذلك اليوم، ثم انفجارات صغيرة عندما انفجرت الذخائر الصغيرة.

قال إن الهجوم كان قريبا جدا من منزله في كفرنبل، وإنه فتح باب منزله ليجد امرأة وطفل ميتَين في مكان قريب. نقل الجثتين إلى أقرب نقطة طبية. قدم الشاهد صورا لمخلفات الذخائر العنقودية، كذخيرة صغيرة غير منفجرة روسية/سوفييتية الصنع من طراز 9إن235.